“بيتكوين الكويت”: 40 مليون دولار تبخرت في يوم واحد و2900 متضرر

في ظل التوسع المستمر في عالم العملات الرقمية، تبرز الفرص الاستثمارية التي تجذب الأفراد الباحثين عن الابتكار والمكاسب المالية. ومع ذلك، فإن هذا المجال الواعد لا يخلو من التحديات، حيث تظهر بين الحين والآخر مشاريع غير موثوقة تستغل قلة وعي بعض المستثمرين، خاصة المبتدئين منهم. إحدى أبرز القضايا التي سلطت الضوء على أهمية التحقق من مصادر الاستثمار كانت قضية “بيتكوين الكويت”، التي تبين لاحقًا أنها عملية احتيال مدبرة استمرت لثلاث سنوات، متسببة في خسائر بلغت نحو 40 مليون دينار خلال 24 ساعة فقط.
أستاذة علم الحاسوب في جامعة الكويت، د. صفاء زمان، كانت أول من كشف تفاصيل هذه القضية عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى انهيار العملة وهروب مطورها. ورغم أن وزارة التجارة الكويتية لم تصدر تراخيص لتداول هذه العملات، لا تزال الحاجة ملحّة إلى تشريعات واضحة تضمن بيئة استثمارية آمنة تحمي المستثمرين من الوقوع في الأفخاخ الرقمية.

أفصحت رئيسة الجمعية الكويتية لأمن المعلومات، د. صفاء زمان، عن عملية احتيال واسعة نفذها وافد عربي باستخدام عملة رقمية أطلق عليها اسم “بيتكوين الكويت”. وقالت زمان في تصريح خاص لصحيفة “القبس” أن المحتال تمكن من جمع 40 مليون دولار من المستثمرين خلال 24 ساعة فقط من إطلاق العملة، قبل أن يختفي عن الأنظار، في عملية احتيال استغرقت سنوات من التخطيط.
وأوضحت أن هذا المحتال استغل منصات التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني للتسويق لعملة “بيتكوين الكويت”، وشارك في عملية البيع حوالي 2900 مواطن، ليختفي بعد ذلك ويختفي معه كل أموالهم. وأضافت زمان أن التشريعات القانونية الحالية لا توفر حماية للمستثمرين أو تمنع تداول العملات الرقمية المشبوهة.

وأشارت إلى أن السبب الرئيسي في انتشار مثل هذه العمليات هو غياب التشريع وضعف الرقابة، بالإضافة إلى الوعي المحدود لدى العديد من الشباب الذين يسعون للثراء السريع. كما تطرقت إلى تأثير الحملات الإعلامية التي تروج للعملات الرقمية، ما جعلها تبدو وكأنها طريق سهل لتحقيق الثروة.

وفي ردها على سؤال حول كيفية حماية المواطنين من عمليات الاحتيال، قالت د. صفاء زمان إن إنشاء منظومة حماية آمنة يتطلب وجود برامج توعوية، قوانين وتشريعات صارمة، أدوات تقنية حديثة، وآليات فعالة لمكافحة الاحتيال. وأوضحت أن القانون الكويتي لا يحتوي على نصوص واضحة تجرم تداول العملات الرقمية، وأن القوانين الموجودة لا تواكب التحديات المرتبطة بالتحايل على المتداولين في هذا المجال.

العملات الرقمية في الكويت: جاذبية وتحديات

بحسب تقرير سابق في جريدة “الراي”، ازداد اهتمام الكويتيين بتداول العملات الرقمية نتيجة لعدة عوامل، من أهمها تطور خدمات تحويل الأموال مثل تقنية “البلوكتشين” التي تُستخدم للتحويلات المالية الدولية، والتي انضمت إليها العديد من البنوك الكويتية. هذا التطور شجع الأفراد على الاستثمار في العملات الرقمية وزاد من رغبتهم في التوسع في هذا المجال، خاصة مع إمكانية التداول عبر منصات مرخصة في دول مجاورة، مما يسمح بتجاوز القيود المفروضة في الكويت.

هذا ولم يقتصر استثمار الكويتيين على شراء العملات الرقمية فقط، بل امتد ليشمل تعدينها محلياً. يستفيد المعدّنون من انخفاض تكلفة الكهرباء في الكويت، حيث تُصنّف من بين أرخص 5 دول في هذا المجال، للحصول على العملات الرقمية كمكافأة دون الحاجة لشرائها.
وتشير بعض التقارير إلى قيام البعض بإنشاء شبكات تعدين في منازل مهجورة أو مزارع لتجنب لفت انتباه وزارة الكهرباء إلى الاستهلاك المرتفع للطاقة الذي تتطلبه هذه العملية.
ومنذ ظهور العملات الرقمية قبل حوالي 14 عامًا، وتحديدًا في عام 2009، استثمر العديد من الشباب الكويتي فيها وحققوا أرباحًا كبيرة على مدى فترة طويلة.

حظر استخدام الأصول الافتراضية في الكويت

في عام 2023، اتخذت عدة هيئات رقابية وتنظيمية في الكويت، بما في ذلك بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال ووزارة التجارة والصناعة ووحدة تنظيم التأمين، إجراءات حاسمة بشأن العملات الرقمية. وأصدرت هذه الجهات تعاميم منفصلة للجهات الخاضعة لرقابتها، تحظر بشكل قاطع استخدام الأصول الافتراضية كأداة أو وسيلة للدفع، أو حتى الاعتراف بها كعملة غير مركزية داخل الكويت.
وشددت التعليمات على منع أي معاملات تستخدم العملات الافتراضية كوسيلة للدفع في إطار هذا الحظر. كما حظرت التعاميم، التي جاءت بناءً على دراسة أعدتها اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تداول الأصول الافتراضية كاستثمار، وذلك امتثالاً للتوصية رقم 15 الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF).
ونتيجة لذلك، يُحظر على المؤسسات المالية تقديم خدمات تتعلق بالأصول الافتراضية لعملائها، أو إصدار أي تراخيص لأي شخص أو كيان داخل الكويت لتقديم خدمات الأصول الافتراضية كنشاط تجاري، سواء لحسابه الخاص أو نيابة عن الآخرين. كما حظرت التعاميم جميع أنشطة تعدين الأصول أو العملات الافتراضية.

في الختام، تظل العملات الرقمية قطاعًا واعدًا يحمل في طياته فرصًا استثمارية كبيرة، شريطة أن يتم التعامل معه بحذر ووعي. فبينما كشفت حادثة “بيتكوين الكويت” عن مخاطر الاستثمار في مشاريع غير موثوقة، فإن ذلك لا يعني أن جميع العملات الرقمية غير آمنة، بل يؤكد أهمية التحقق من مصادرها، والاعتماد على منصات موثوقة ومرخّصة لتجنب الوقوع ضحية للاحتيال.
لذلك، يتطلب الاستثمار الذكي في هذا المجال فهماً أعمق لآلياته، والاطلاع على أحدث التطورات والتشريعات لضمان حماية الأصول الرقمية. من خلال توعية المستثمرين وتعزيز القوانين والرقابة، يمكن بناء بيئة استثمارية أكثر أمانًا تدعم الابتكار في قطاع العملات الرقمية، مع الحد من المخاطر المرتبطة به.